الجمعة، 15 مايو 2015

جدار



يقف في مواجهتي.. ينظر لعيني طويلا..يقاوم دمعة كادت أن تفر من عينه اليمنى..يزدرد لعابه وكأنه يحاول أن يبتلع الحزن..يسعل.. ثم يعود لأريكته يتأمل السقف، هكذا حال والدي المُسن منذ شهور، كل يوم يكرر نفس المشهد أكثر من مرة، الزهايمر تملك منه في الأسابيع الأخيرة بدرجة كبيرة، منذ أيام زارنا ابن عمي، فسأله والدي عن حاله، وحال والده الذي مات منذ سنين، ثم دلف إلى غرفته، وعاد بعد برهة، وسلم عليه، واحتضنه، وسأله من جديد عن حاله، وحال أبيه..خلال الساعة التي قضاها ابن العم في منزلنا سلم عليه والدي بنفس الحماس أكثر من خمس مرات، حتى أبصرت علامات الضجر على وجه الضيف، حزنت كثيرا لما آل إليه حال أبي، صرت أتمنى له الموت ليستريح.. تلك الأمنية أخجل أنها تسكن صدري، لكنني لم أتمكن من طمسها، زوجتي كانت توليه رعاية خاصة، ولكنها تبدلت كثيرا، حتى أولادي يمرون عليه وكأنه قطعة من أثاث..منذ يومين كان ابني الأكبر يبحث عن "ريموت" التلفاز، فقال لوالدي: قُم يا جدي، فربما كنت تجلس عليه، وأمسكه من عضديه وأقامه، وحين وجد الريموت مكان جلسته أخذ يتنقل بين محطات التلفاز، وترك والدي واقفا وجسده يهتز من الوهن، حتى أتت ابنتي وأجلسته برفق، متى تعلمتَ يا ولدي تلك القسوة؟! منزلنا اليوم يبدو كخلية النحل، فقد انتهى مهندس الديكور من تشطيب الفيلا الجديدة بالتجمع الخامس، كنت أعمل أكثر من خمسة عشر ساعة متصلة في اليوم الواحد حتى أسدد أقساطها.. رغم سعادتي أن أسرتي ستنتقل لمكان أكثر رحابة، ولكن تلك الشقة تربطني بها ذكريات العمر..عزائي الوحيد السعادة التي أراها في أعين أولادي وزوجتي وهم يجمعون الملابس في الحقائب استعدادا للانتقال للمنزل الجديد..حضر العمال، وعمت الضوضاء المنزل، وفى خلال نصف ساعة كانت الشقة خالية من أي أثاث..صدمني صوت زوجتي وهى تسأل ابنتي أين جدك؟..الباب كان مفتوحا، والكل منشغل عنه، فأجابها ولدي الأكبر بعدم اكتراث: نذهب بالأثاث أولا للفيلا الجديدة ، ثم أعود للبحث عنه..حدجته ابنتي بنظرة غيظ ثم اتجهت ناحيتي..مسحت الزجاج أمام عيني بكفها، أنزلتني من على الجدار، وضعتني تحت إبطها محاطا بالإطار المذهب، وسارت بي وأنا ألقى نظرتي الأخيرة على المكان أتأرجح ورأسي لأسفل.

هناك 4 تعليقات:

Unknown يقول...

بس ممكن تشرح اخر جزء بل القصة

الي تقول فيه ثم اتجهت ناحيتي ومسحت الزجاج ........والخ لحد النهاية وتفسر

Unknown يقول...

بس ممكن تشرح اخر جزء بل القصة

الي تقول فيه ثم اتجهت ناحيتي ومسحت الزجاج ........والخ لحد النهاية وتفسر

شريف الجهيني يقول...

الراوي هو البرواز

Unknown يقول...

هل هي قصة واقعية؟