الجمعة، 11 نوفمبر 2016

قراءة الباحث فرج الضوي في مجموعة (الرجل القادم من هناك)

 






واقعية الأسطورة
فى الرجل القادم من هناك لشريف الجهنى
بقلم:  فرج الضوى

الى الذين جاعوا فأكلوا أحلامهم
الحداثة والذاتية

إن اختصار العالم فى خمس كلمات لهو أصدق تعبير عن النقلة النوعية التى أحدثتها نصوص الحداثة فى الأجناس الأدبية ، لقد إستطاعت – ( نصوص الحداثة ) – التخلص من جل المكونات و التركيبات الكلاسيكية ( الضمنية منها و العامة و الغيرية و الضحلة أحيانا و التقريرية و التى ترسم فى أغلب الأحيان مسارات محددة ودروبا تجبر المتلقى و غيره على خوضها من دون ترك مساحات من الفراغ تسمح له بالتحليق بل و ضيقت مساحات الفانتازيا و الميتا فيزيقا ) .
أما نصوص الحداثة فقد خلقت عالما رحبا بمكونات جديدة أكثر رحابة و مرونة مكنت المتلقى و هو العنصر الأهم فى الدائرة الأبداعية

مخطط الدورة
من وضع مدلولات خاصة به و الأستفتاح على مبدع النص نفسه بمدلولات جديدة لم ترد على ذهنية المبدع اثناء تلقى النص أو أنتاجه ، إن النص الفراغى المرن مرونة الطبيعة مرونة الماء والهواء قد مكن المتقلى من إستعارة التجربة الموغلة فى الذاتية للكاتب و إصباغ ذاتيته و تجربته و مدلولاته عليها ..
شأنه فى ذلك شأن صناع التطبيقات التكنولوجية ( Application Technologies- Designers ) – و التى  تترك مساحات رحبة للمستخدم لوضع بياناته و مواعيدة و اصدقاؤه و عنواينه و خططه القريبة والبعيدة و احتياجاته اليومية الحياتية لتساعده فى التعامل و التحكم فى الكم الهائل من المعلومات و المتغيرات اليومية الحياتية التى تحدث على مدار الثانية الواحدة .  
الرمزية والأسطورة الشعبية

تقول الباحثة فضيلة مادى
يرى "يوسف عيد" أنه مادام التعبير بالرموز عادة قديمة في تعبير الإنسان، لم يكن من حاجة إلى ظهور المدرسة الرمزية، لكنه يتدارك الأمر ليقربضرورة وجودها. لأنها تذكّر الناس بحقيقة واحدة هي أن الحياة تنطوي على كثير من الأسرار، و أن العالم نور و ظلام، و جهل و خفاء، و أنه يفاجئنا في بعض الأحيان بمعاني لا تترجم عنها الألفاظ و لا غنى فيها عن الإشارة و الاستعارة، أو عن تمثيل الظل بالظل، و الحجاب بالحجاب.
و على كل حال، فقد تجاوزت الرمزية حدود الشعر إلى باقي الأنواع الأدبية ک "ـ المسرحية" و "القصة ، " كما تجاوزت حدود فرنسا فى  الأدب و الفن و الفرنسيين إلى الآداب و الفنون العالمية بعد أن أصبحت مذهباً متكاملاً. يعود ظهور المذهب الرمزي إلى سنة 1886م على يد "جون مورياس Jean Moréas" المُنّظر الأول له .

     جون موريس
لقد تميز المذهب الرمزى بعدم اعتماد "الأسلوب القائم على الوضوح و الدقّة و المنطق و التفكير المجرد و المعالجات الخطابية و المباشرة و الشروح و التفصيلات، لأن هذه الأمور ليست من طبيعة الفن بل من طبيعة النثر و لغة التواصل العادية" . و عليه، وجب أن يكون الأدب قائماً على الإيحاء و الإبهام و الغموض
فقد عمد الرمزيون "إلى أن يكون شعورهم غامضاً لا يفهم و بحسبه أن يترك في النفس أثراً قوياً دون أن ندركه و نفهم معناه، و النص الجيد في نظرهم هو الذي يترك في نفس القارئ شعورا بعدم الاكتفاء، و لا يقف منه إلا على الظل وحده، و الوسائل الفنية التي لجأوا إليها هي الضوء الخافت الناعم،  و التموج، و الكلمات الموحية" . يتأتي الغموض بأسباب عدة أبرزها ما يجمله "عبد الرزاق الأصفر" في الآتي
: "١- التصرف بمفردات اللّغة و تراكيبها بشكل غير مألوف
 . ٢- الرمز الذي بطبيعته لا يوضح المرموز إليه، بل يترك ذلك لخيال القارئ و تأويله
 . ٣- التعبير بمعطيات الحواس و مراسلاتها و تقاطعاتها
. ٤ - الإشارات و التلميحـات و الأعلام التي تحتـاج إلى معرفة واسعة أو إلى شروح و تعليقات
٥ - التكثيف و شدة الإيجاز
 . ٦ - الانطلاق من أفق الدقائق النفسية و الحالات المبهمة التي يصعب تصويرها و التعبير عن لويناتها الدقيقة .
7- تراسل الحواس، و فيها يصبح المسموع مرئياً و المشموم مسموعاً. و هكذا، فكل معطيات الحواس تتشابك و تتراسل فاللنجوم حفيف، و النهر يغني، و الصوت ناعم أو خشن...إلخ.
كان ظهور الاتجاه الرمزي في أدبنا العربي في العصر الحديث و بتأثير من المذهب الرمزي في نماذجه الأدبية. و يرجع عدد من الباحثين ظهور هذا الاتجاه إلى "جبران خليل جبران"، حيث يلتقي "جبران" مع "الرمزيين" "في الابتعاد عن المألوف و في الكثافة و الإيحاء، و تمازج عمل الحواس، كما يحاكيها في الانطواء على الذات و الانطلاق إلى أجواء الحلم في مناخ من الغموض و الغرابة. و من كلامه الرمزي: «فغدت الخطوط كأفكار الآلهة و الألوان كعواطف الملائكة» لكن جبران يظل إلى الرمز أقرب منه إلى الرمزية.
فقط حين يكتمل القمر
إن سحر و غموض و رمزية و أسطورية البطل الشعبى الكمى الجسور الذى كان يقذف بنفسه فى الأهوال متفاديا دانات مدافع العدو ومفاديا بنفسه غير عابىء بحياته و مستعد للتضحية بها كان هو المتلازمة الخفية فى نفسية الريس حربى الذى كان يسحر الربع بألحانه التى تعلمها من الجنية فبعد نيران العدو جائت نيران غضب الجنية عليه ثم تحديه للقوى الخفية بتلك النفس الجسورة المستعدة للفداء مرة أخرى مهما كلفه الأمر حتى لو كلفه أمر اسعاد ابنته ثريا اختفائه من الوجود تماما .... الوجدان الجمعى الشعبى يحتاج الى ذلك البطل الرمز الذى تتعلق به بطولاتهم و سعادتهم و أسطورتهم الموحية و الخيالية أحيانا و أحيانا تصبح الأسطورة من مفردات الواقع التى لا تنفصل عنه بتاتا لقد أصبح ربع جهينه كله الريس حربى واصبح الريس حربى هو ربع  جهينه فكل من يذكر ربع جهينه يذكر الريس حربى و كل من يذكر الريس حربى يذكر ربع جهينه ... وهنا يترك المبدع بصمته ويزيد الأسطورة غموضا بأختفاء الريس حربى و اثر خطواته حتى شاطىء البحر و يترك مساحات كبيرة من الفراغ للمتلقى ليسبح معه فى فضاءاته السحرية ... ليتوهم بأن جنيةالبحر قد أختطفته و البحر قد ضن بجسده عليهم لتترك النهاية مفتوحة لتأويل المتلقى واهل الربع و التاريخ ....

الأنثروبولوجيا
وهى علم دراسة تطور السلوك البشرى من العادات و التقاليد والمعتقدات و الأزياء و باقى المكونات الثقافية لمجتمع ما على سبيل المثال فلكلوره الغنائى المميز
لقد تناول الكاتب الرموز الاجتماعية ذات الدلالات الهامة في حياة  مجتمع من المجتمعات ، ويعد الفولكلور أحد عناصرها الأساسية .
مفردات اللغة :    الحويش – الطنبورة
الرقص والغناء والأهازيج : المتينى – الرفيحى
ذلك التناول الذى ابرز جليا التمايز الذى يتسم به المجتمع البدوى و الذى يعد من المكونات الرئيسة فى نسيج مجتمعنا المصرى ... و قد كشف لنا الكاتب بذلك العمق الأنسانى لهذا المجتمع .
فى أحزان مبعثرة يتخذ كاتبنا الغراب ليكون معاملا موضوعيا يتناول فيه الحظ العثر للطفل المصاب بالتأتأة ( ذلك العيب الذى يجعله سجينا فى داخل نفسه المعذبه ) و الذى لا يرحمه قدره ولا والده و لا مجتمعه و لا استاذه و لا زملاؤه فيلقى اول ما يلقى ببذرته  التى هى الغراب فى أول القصة لتتشعب بخيط خفى فى باقى نسيج القصة و تنمو و تتشعب لتسرد الأحزان المبعثرة لذلك الطفل عثر الحظ ، أٌدرك مدى صعوبة تناول أن يكون ضمير المتكلم   الراوى طفلا و يقوم بالحسابات المنطقية لعقلية الطفل البريئة  التى تتصرف على سجيتها و فطرتها النقية لا تعرف الكذب و تعترف بيتمها ثم يصطدم بالأب وباعتباراته و يصطدم بزملائه ومدرسية و عدم فهمهم لنفسيته و كذلك بمدرسه الذى يتأتىء مثله و لم يتفهم طبيعته ... ثم تستمر حسابات العقلية الطفولية بمنطقها الفطرى و تصدر الحكم النهائى على نفسها و على العالم حين يخاطب الراوى الطفل نفسه (عدتُ مكانى صامتا ، و سأظل صامتا للأبد ، فالحروف المتكدسه بحلقى أبت الخروج ، و لو حتى متقطعه ) .... أرى ان الكاتب نجح فى التعامل مع سيكولوجية الطفل و معالجة موضوع تربوى قد سقط من يد المجتمع الذى يأبى أن يتفهم اى إعاقة بسيطة قد تتسبب فى كارثة و عقدة نفسية لطفل من المفترض أنه سيصبح رجلا فى المستقبل و يعتمد عليه المجتمع ...
فى الرجل القادم من هناك يتناول الكاتب الرغبة القوية للأنسان للخروج من دوامة الألم بالسفر عبر الماضى لينهى و جود نفسه و يقضى بعدمية وجوده من قبل أن يولد وتلك تقنية يستخدمها اللاشعور حين يردد دائما المثل الشعبى وقتما يسأم الأنسان من حياته و يود أن لم يكن ( يا ريتك يا آبه ما كنت اتجوزت أمى ) .... و هذا سؤال وجودى مصيرى مرير .... أنه الأسقاط الأزلى على على الأب الأول للوجود الأنسانى (آدم) .. حين قال الحفيد لجده (  - أكبر جرائمك أنك كنت سببا فى أننا أيتنا هذه الحياة ، لذا سأقلتلك حتى أمنعك من فعلها ، حتى لا نولد ولا نكون)... إنه السؤال المرير الذى يسأله الأنسان لنفسه من كثرة الأفساد الذى عاثت به الأرض والحياة منذ بدء الخليقة قد تضيق الدنيا و تظلم على الأنسان و يتمنى أن لا يكون قد كان و تكوّن منذ الأزل وهذا منطق هروبى ولكن المأساة تتمثل حين يستجيب الأب الجد بحنان حتى يحقق راحة و امنية حفيدة ولو كلفه ذلك ان ينهى حياته حتى تستريح ذريته من بعده و التى لن تكون و لن تواجه و تجابه العالم الشرير الذى دفهعا الى إنهاء سبب وجودها الأزلى وهذا أقتباسا من المنطق القرآنى الكريم حين يرى الكافر المصير المحتوم الذى لا هروب منه فى الدارالآخرة و يقول لنفسه بعد فوات الأوان ( يا ليتنى كنت ترابا )  ....




المراجع
·        ويكيبديا الموسوعة الحرة
·        فن القصة القصيرة ... رشاد رشدى
·        دور عالمية الأدب ومذاهبه فى تطور الأدب وظهور اجناسه الأدبية .. فضيلة مادى

·        هرسكوفيتز، ج (1974) أسس الانثروبولوجيا الثقافية، وزارة الثقافة، دمشق. ‏