الأربعاء، 29 أبريل 2015

الرجل القادم من هناك


هذا المجنون الذي يتربص بي، حاول قتلي ثلاث مرات، طعنني ذات مرة في الزقاق المظلم، ولكن شاء القدر أن تمر الطعنة بجوار القلب، أبصرته من الخلف وهو يعدو..بعدها بشهرين صدمني بسيارته؛ فانكسرت ساقي وظلّت مجبرة لشهرين، لم استطع تحديد ملامحه للشرطة، فالضوء الذي انعكس على وجهه وهو خلف المِقود لم يكن كافيا لأرى سوى عينه اليمنى وصدغه قبل أن أغيب عن الوعي، أمس الرصاصة مرت بجوار رأسي قبل أن تخترق زجاج محل الأحذية فيتكسرـ انحنيت وعرجت إلى حارة جانبية لأهرب من الرصاصة الثانية، أنا إنسان مسالم لم أتسبب في ضرر لمخلوق في حياتي، لا أعرف ماذا فعلت لهذا الشخص حتى يطاردني هكذا، لا يوجد لدي خلافات مع أحد، ليس لي أقارب ليرثوا تركتي فيسعون لقتلي، وحتى لو كان لي، فأنا لا أملك من الدنيا سوى تسعمائة جنيه في حسابي البريدي، وقُرطا ذهبيًا اعتز به كثيرا ورثته عن أمي، قال صديقي في المكتب: اِستأجر بلاطجة يمشون خلفك ليمسكوا بهذا المجرم، فالشرطة لديها ما هو أكثر أهمية من حياتك
- والكُلْفة؟
- ثلاثة آلاف جنيه في الشهر الواحد..حياتك لا تستحق هذا المبلغ يا مغفل؟ 
قالها بنبرة تهكمية..من أين لي بهذا المبلغ؟ ولو دفعته ما الضامن لي أنه سيظهر _هذا المجرم_ قبل انقضاء الشهر، وربما ينجح في قتلي ، أو يخفقوا هم في الإمساك به، ويضيع المال هباء، الرغبة في معرفة دوافع هذا الشخص وكنهه كانت أكبر عندي من الخوف على حياتي، فليس لدي ما يدفعني للتمسك بها، فكم من مرة فكرتُ في الانتحار، ولكنني أجبن من أن أفعلها، وقفت ذات ليلة على حافة الجسر النيلي..وقفت طويلا، لم تواتني الشجاعة لأقفز، جاءني شاب تبدو عليه علامات التشرد، وقال لي: إما أن تقفز، أو تنصرف.. أراقبك منذ ربع ساعة من تحت الغطاء من على الرصيف المقابل، وأريد النوم يا جدع، وأنت تخايلني
كان يلوح بذراعه المشوه من كثرة الوخزات..نزلت من أعلى السور وانصرفت مشيعًا بضحكات ذاك المخدَّر المأفون..بِعتُ القرط الذهبي، واستأجرت اثنين بلاطجة ملامح الإجرام تكسو وجهيهما..حقيقة الأمر أشعر بالخوف منهما أكثر من خوفي ممن يتربص بي..ثم أنهما يأكلان كالبغال استنفدا ما بقي من ثمن القرط في أسبوعين فقط ،وسحبتُ ما لدي من رصيد في مكتب البريد أيضا، فلقد أخذت خطوة ولا بد أن أكملها، كانا يسيران بعيدًا عني حتى لا يلفتا انتباه المجرم فيبتعد، كنت أتعمد السير في الأماكن المظلمة لأشجعه على الخروج..ولكن لا فائدة..هسسس ماذا؟ الآن أشعر بخطوات هامسة خلفي..هل يكون هو؟ ولا اسمع صوتا لزوج البغال اللذين يقومان بحراستي ..يا بهائم!!..سارعت الخطو، فتسارعت خطوات من يتبعني، لا أريد أن أنظر خلفي، فلن أُضيَّع الفرصة، ولجت لزقاقٍ جانبي، ولج خلفي..لابد أنه هو..هرولتُ.. هرول ورائي.. عدوت.. فعل مثلي...وجدتني أمام حائط مسدود..أين المفر؟ ها هو يتقدم نحوي ..أريد أن أرى ملامحه..من أنت؟ اِتَّجَه مُسرعًا نحوي ..أمسكني من رقبتي بيده القوية..دفعني للحائط ويده اليمني مشرعة بسكينٍ كبيرٍ..قلتُ له : قبل أن تقتلني أريد أن أعرف من أنت؟ ولِمَ تريد قتلي؟ ماذا فعلت لك؟!! اقترب مني فانعكس ضوء المصباح الوحيد في الحارة على وجهه فأبصرته..إن له نفس أنفي، عيناه مثل عيني..يبدو كأنني التقيته من قبل..عرفته قبل الآن..أكلنا وشربنا سويا..كررت السؤال..فوجدته يغالب دموعه وهو يقول :جئت لقتلك لأمنعك من ارتكاب جريمتك في حقنا..قلت: حقنا!!عن من تتكلم..وما هي جريمتي؟! ومن أنت يا رجل؟ هل تعرفني؟ فقال والسكين يهتز في يده المرتعشة، وقد انعكس الضوء على نصلها..أنا..أنا من أبناء أحفادك، وجئتك من عالم لم يأت موعده بعد..أرسلني أحفادك حتى أمنعك من جريمتك..
- أحفادي..هل تهذي يا رجل؟ وعن أي جريمة تتحدث؟ - أكبر جرائمك أنك كنت سببا أننا أتينا هذه الحياة..لذا سأقتلك حتى أمنعك من فعلها..حتى لا نولد ولا نكون..
في هذه اللحظة انشقت الأرض عن الحارسين، وأمسكا به بأذرع قوية.. أسقط أحدهما السكين من يده..حاول التملص منهما فلم يستطع..أحطتُ بوجهه بكفيَّ فتبللتا من دموعه.نظرت لعينيه طويلا ثم قلت للحارسين: دعاه إنه صديقي، وكان يمازحني..لم يتركاه، فكررت عليهما الأمر وأخرجت ما تبقي معي من مال وأعطيتهما إياه، فنظرا لبعضهما البعض بتعجب ثم تناول أحدهما المال وجذب زميله المشدوه وانصرفا ..تناولت السكين من على الأرض، ودفعت بها إليه وأنا أقول : فلتفعلها إذن ولكن سريعا.

ليست هناك تعليقات: