الجمعة، 24 أكتوبر 2014

الرجل الذي أضحك الجميع

لم أصدقهم حين أشاعوا عني أنني أسير وأنا نائم..كيف هذا؟!ِ جاري الفضولي ثقيل الظل أقسم لي أنه ظل يتبعني لساعتين وأنا أجوب الشوارع أحجل بعكازيّ وأرتدي زى بهلوان وأكتب على الحوائط شعارات ضد الحكومة، أوشكت أن أصدقه  لأن هذا الزى من أسراري الخاصة، ومن عاداتي الغريبة، فمنذ توفيت زوجتي وأنا أجد راحة في النوم بهذا الزى،  فشكله يريح أعصابي، وجربت النوم بزى مختلف فأصابني الأرق الشديد، وطبعا من المستحيل أن أفتح الباب لأحد وأنا أرتديه، ولكن ما جعلني أتراجع عن تصديقه أنني قلت لنفسي ربما رآه معلقا على أحبال الغسيل، فأراد خداعي فكم لقيت منه من أذى هذا الوغد..أعيش وحيدا منذ وفاة زوجتي من خمسة أعوام، كانت تعاني من ضيق في شرايين القلب، لا أنسي ذاك اليوم حين خرج علينا الطبيب من غرفة العمليات وقفازيه ملطخين بالدماء، وأزاح كمامته وقال لي بنبرة طيبة: زوجتك تحتاج لتوسعة شريان آخر وسيكلفك هذا الأمر أربعين ألف جنيه زيادة عن المبلغ المتفق عليه..هااا أكمل العملية ولا أخيط على كده وتمام ؟! صدمني بسؤاله فقلت له بصوت مذهول: كمل..ككككمل..كمل ربنا يبارك لك..بعت سيارتي وسددت للبنك بقية أقساطها ثم ظللت أبيع أثاث المنزل قطعة وراء أخرى إلى أن أكملت للطبيب ما أراد..قال لي الطبيب العملية نجحت 200%، ولكن زوجتي فارقت الحياة بعدها بثلاثة أيام، ولم يمنحها الدهر فرصة لتنجب لي طفل يؤنس وحدتي..وها أنا وحيدا أقتات من معاش هزيل بعد أن تم تسريحي من شركتنا التي تم خصخصتها،ولا أقوى على العمل بعد أن صدمتني سيارة يقودها ضابط يسير عكس الاتجاه..من وقتها وأنا أسير بهذين العكازين ..بالطبع رفعت دعوى تعويض على الضابط، ولكني لم أجد بد من التنازل حين وجدت مجندا مسكينا يعترف أمام النيابة وهو يمسح مخاطه بكمه أنه هو من كان يقود السيارة والباشا كان يجلس بجواره .. وخرجت مشيعا بضحكات الضابط وهو يقول لي : ها أنت لا طلت لا أبيض أو أسود...ناس مش وش نعمة..نسيتُ أن أقول لكم أنه عرض عليّ خمسة ألاف جنيه لأتنازل عن القضية، لو قال عشرة ربما كنت تنازلت فأنا رجل مسالم، ومن يستطيع أن يقف أمام الحكومة!!..ولكنه كنا يحدثني بغطرسة وكأنني  أنا من صدمه..يا ليتني قبلت بالآلاف الخمسة..عنده حق ..أنا مغفل كبير...ولكن ما يشغلني الآن هو موضوع سيري وأنا نائم..وكيف أعرف إن كان حقيقة أم مقلب صنعه جاري ..ولكني كنت ألمح نظرات سخرية من الجيران خاصة عواطف أم كُحلة..نعم "أم كحلة ..إسماعيل صاحب عربة الفول يسميها هكذا لكثرة ما تضعه من كحل، فتبدو عيناها كمصباحين محروقين، ومن كثرة ما كان يتحدث عنها صار هو أيضا يكني بإسماعيل "أبو كحلة"..قمت من نومي فزعا على طرقات ثقيلة على الباب، وقبل أن أتناول عكازيَّ وجدتهم يقتحمون غرفتي ويجرجرونني والصفعات تتوالى على وجهي وقفاي ..لم أعرف ماذا جنيت إلى أن جلست أمام وكيل النيابة وهو يقول لي: أنت متهم بقتل الضابط فلان والطبيب فلان وقتلت جارك أيضا، وتم تصويرك وأنت تدور فى الشوارع وتكتب عبارات معادية ..من هول المفاجأة لم انتبه للأسماء ولكنه أردف: وسلاح الجريمة وجدناه في شقتك وعليه بصماتك وآثار الدماء، وأخرج مقلاة معدنية أمسكها بمنديل ثم انفجر ضاحكا..لا أعرف ما حدث لي حينها وجدتني أضحك بشدة وأنا أقول : نعم هي مقلاتي ، ولكني أسير وأنا نائم ..حتى اسأل جاري المقابل فقال: جارك الذي قتلته؟! ثم أمر بحبسي أربعة أيام..كل من شاهدني بزي البهلوان كان يضحك.. حتى العساكر كانوا يضحكون وهم يضربونني وأنا أضحك معهم..في الزنزانة كان السجناء يضحكون وهم يركلونني وأنا أضحك معهم..قلت للقاضي : سيدي أنا أمشى نائما..ولكنه حكم علي بالإعدام وانصرف مسرعا وهو يغالب رغبته فى الضحك...وضعوا الحبل على رقبتي وهم يضحكون وأنا أضحك معهم ..الله على هذا الشعور المريح.. ظللت أضحك حتى انفتحت أرضية المنصة، فصعدت أضحك وأضحك والكون كله يضحك معي.. حتى هو تلقاني ضاحكا.

ليست هناك تعليقات: