الجمعة، 25 أكتوبر 2013

ابن بطوطة يبعث من جديد


ابن بطوطة يحضر صباح الغد إلى مصر عبر الحدود الليبية )...يا الله !! كم كانت دهشتي حين مطالعتي لهذا الخبر في الجريدة وأنا احتسى كوب الشاي الذي انسكب من يدي من هول المفاجأة .... هل هذا معقول ؟! على حد علمي أن ابن بطوطة مات منذ عدة قرون فهل بُعث من جديد ؟ أخذت نفسا عميقا وبدأت اقرأ تفاصيل الخبر فوق الصفحة التي تغير لونها من جراء انسكاب الشاي الساخن فوقها ،التفاصيل تقول انه ظهر رجل في المغرب يزعم انه محمد بن عبد الله بن محمد الطنجى الشهير بابن بطوطة ،والغريب أنهم أتوا إليه بالعلماء من مختلف البلدان ليثبتوا كذب إدعائه ولكنه كان يرد بالحجج والبراهين الدامغة حتى انه كشف لهم عن بعض الوثائق والدنانير التي دفنها قديما على حدود السودان خوفاً من قٌطاع الطريق فقاموا بالتنقيب عنها فوجدوها كما وصفها لهم ؛فما كان منهم إلا أن تشاوروا وأعلنوا خلال مؤتمر صحفي كبير أنه ابن بطوطة يقيناً ، كان لأمير الرحالين مطلب واحد أن يتركوه يقوم بالرحلة الرابعة -التي بٌعث من أجلها بعد كل هذه القرون- دون ضجيج إعلامي فهو يريد أن يكون منفرداً كمثل أول مرة يرتحل فيها، هنا انتهى الخبر فأخذت أقلب في الجرائد الأخرى لعلى أجد بعض المعلومات الأخرى دون جدوى ، فتحت التلفاز فإذا باليسا – مطربة لبنانية- تطل بنهديها المنتفخين فأغلقته سريعا خوفا أن ينفجرا في وجهي ،ففي هذا اليوم لا شيء مستحيل فلقد عاد ابن بطوطة،ارتديت ملابسي سريعا فلابد أن أكون من مستقبليه فلن يأتي ابن بطوطة كل يوم ، ركبت أول حافلة متجهه إلى الإسكندرية ومنها حافلة أخرى إلى محافظة مرسى مطروح ثم( ميكروباص ) إلى السلوم رأسا.. أجهدني السفر فأكثر من عشر ساعات متنقلاً بين العربات فما بال ابن بطوطة الذي يركب ناقته حيناً ويمشى حيناً آخر صليت العشاء قصراً في أحد الزوايا الصغيرة وقررت أن أنام في ركن من الزاوية إلى أن تشرق الشمس وأكون من أول مستقبلي أمير الرحالة ،ولكن أحد البدو لاحظني فإن زيي مختلف عنهم فهم يرتدون الجلباب القصير فوقه الصديرى والطاقية المميزة لقبيلة أولاد على وأنا البس السترة والسروال والغريب يُعرف من نظراته – دعاني الرجل البدوي إلى بيته المتواضع وحين سألته عن موعد حضور ابن بطوطة ضحك وقال إنه لا يعرف إلا فطوطة صاحب حلقات الفوازير الرمضانية الشهيرة أكلنا العصيدة بالأصابع وشربنا الجَبَنة وشوينا حبات الفقع فوق الراكية وحين تعجب من تكيفي مع طعامهم أخبرته اننى من قبيلة جهينة واعتد على هذا النوع من الطعام في الماضي مع أول خيط ضوء خرجت متسللاً من بيت الرجل حتى لا أزعجه فالغرفة التي أنام بها مواجهة للباب الرئيسي للمنزل توقعت أن أرى الناس ألافاً بانتظار ابن بطوطة ،ولكن الحركة تبدو طبيعية داخل منفذ السلوم البرى - الحد الغربي لمصر المحروسة- الوقت ضحى وابن بطوطة لم يحضر بعد؛ دلفت إلى داخل المنفذ وبدأت أسأل القادمين هل شاهد أحد منكم ابن بطوطة فأجابني أحد المارة نعم لقد رأيت شخصاً يرتدى عمامة كبيرة ويلبس جلباباً من الصوف الخشن ونعلاً غريب الشكل يقول أنه ابن بطوطة فسألته بشغف- وأين هو ؟- لقد ذهبوا به إلى الحجر الصحي لاشتباههم في اصابته بأنفلونزا الخنازير فطلبت أن أقابل القائد العسكري للمنفذ وبصعوبة شديدة استطعت أن ألاقيه وبدأت بشرح الأمر له، وكيف أنه من الشرف لنا أن يمر ابن بطوطة بأرضنا ، فأخذ ينظر إليّ باندهاش وهو يقول- أتقصد ذاك المختل الذي كان يتحدث باسلوب غريب لقد حولناه إلى مشفى الأمراض النفسية للتأكد من صحة قواه العقلية أصابتني الصدمة الشديدة كيف يحدث هذا بمن كان مرحباً به بدواوين الملوك والسلاطين واخترقت شهرته الآفاق قررت أن أعود وألحق به وأنقذ ما أستطيع إنقاذه فركبت سيارة ( بيجو) وأغريت السائق بأجر مضاعف حتى يسرع إلى مشفى العباسية أو كما يُطلق عليها السرايا الصفراء تقدمت بطلب إلى إدارة المشفى كي يسمحوا لي بزيارته فجاءوا به من عنبر الخطرين فأطل علي بوجهه المستدير ولحيته المخضبة بالحناء فقلت له- آسف يا سيدي على كل ما حدث لك فمن لا يعرفك يجهل عليك فأجابني بصوت واثق عميق- لا عليك بني فلقد رأيت في أسفاري أكثر من هذا بكثير وتعلمت الصبر على المكا ره فقلت له -ولكن ثق تماما سيدي إنني سأخرجك من هنا مهما كلفني الأمر وانصرفت إلى بعض أصدقائى في حي شبرا واقترضت منهم ما استطعت وعن طريق رُشوة بعض أفراد أمن المشفى والممرضين استطعت تهريبه ،ما زلت لا أصدق نفسي أنا وابن بطوطة نتجول في شوارع قاهرة المعز، الناس ينظرون إلينا بتعجب من ملابسه الغريبة وبعضهم يبحث عن الكاميرات لظنهم أننا نصور فيلما تاريخيا، بعد إلحاح شديد استطعت إقناعه بأن يبدل ملابسه ،فدخلنا إلى أحد محلات الملابس وابتعت له قميصاً وبنطالاً (جينز) وفى غمرة تعجلي لم انتبه أنه من النوع ذي الوسط الساقط وحذاء رياضيا ونظارة (ريبان) فكان ابن بطوطة ( فانكي) خاصة بعد أن خلع العمامة وكشف عن شعر طويل مصفف يصل إلى أول الكتف أردت أن أكسر حدة الصمت بيننا فقلت له وهو منشغل يتحاشى الاصطدام بأكتاف المارة - هذه القاهرة سيدي التي قلت عنها (أم المدن, سيدة الأرياف العريضة والأراضي المثمرة, لا حدود لمبانيها الكثيرة, لا نظير لجمالها وبهائها, ملتقى الرائح والغادي, سوق الضعيف والقوي... تمتد كموج البحر بما فيها من خلق بالكاد تسعهم...)- نعم هذه كلماتي ولكنى لا أشم اليوم إلا الدخان وأرى البسمة قد سٌحبت من فوق الوجوه فإنها أكثر ما جذبني إلى أهليها وجعلني امكث فيها شهور وما بال الناس تتدافع كأنه يوم الحشر ثم ما هذا الصف الطويل من الناس ؟- سيدي إنه مخبز- أعجزت أيدي النساء عن الخبيز؟ أدركت أنه ضاق صدره مما يراه فقررت أن أصحبه إلى مدينتي الغردقة حيث البحر والطبيعة الخلابة فحجزت مقعدين على أول راحلة متجهه إلى الغردقة على ساحل البحر الأحمر فكان جلوسه بجوار النافذة وأخذ ينظر إلى الصحراء على الجانبين وهو يقول لي - كيف لديكم النيل العظيم وعجزتم عن استصلاح كل هذه الأراضي ؟ هل أصابكم الوهن ؟ أم الكسل ؟تمتمت في سرى بل الفساد فقال لي- ماذا تقول ؟- لا شئ سيدي... لا شئ اقتربنا من الدخول إلى بوابة المدينة وكنت قد أجريت اتصالاً بأهلي أكلفهم بأن يجهزوا كبشا سمينا حتى أذبحه تحت قدمي ابن بطوطة كعاداتنا نحن البدو إن أتانا ضيف عزيز ، وعند نزولنا من الحافلة رأى على الشاطئ الفاتنات من كل الجنسيات يمرحن بالمايوهات ( البكيني )فما كان منه إلا أن نظر إلى الاتجاه المعاكس في حياء مغلف بالغضب ،ولكن في الاتجاه الآخر كان هناك فتى يُقبل فتاة بشهوانية شديدة فنظر أمامه سريعاً وللحظ العاثر كان أمامه علج روسي ممسكاً بزجاجة (ويسكي) يحتسى منها ويترنح يميناً ويساراً فاقسم على أنه لن يبيت في هذه المدينة أبداً وشد من يدي الحقيبة التي بها ملابسه ثم خلع ملابسه خلف ساتر وألقاها في وجهي وقال إنه متجه إلى الأردن وباءت محاولاتي في استبقائه بالفشل فودعته واستحلفته أن لا يذكر ما رآه في مصر لأحد ولم اتركه حتى أقسم على ذلك وفعلت شيئا أكثر من ذلك فلقد غافلته وسرقت منه كل ما كتبه عن مصر في رحلته 
.معي لأني أخجل من نشره واستبدلتها بأوراق بيضاء.


الغردقة 2009م






ليست هناك تعليقات: