السبت، 7 يوليو 2012

دونكشوت نت

بعد إحالته إلى المعاش وجد نفسه وحيداً؛ ماتت زوجه منذ خمس سنوات ,وابنه الوحيد يعمل في إحدى دول الخليج .....كان يزوره كل عام, ولكن بعد أن اصطحب معه زوجته وولديه تحولت الزيارة السنوية إلى مكالمة هاتفية من طرف الأب في الغالب ......مضى أكثر من ثلاث سنوات لم يره, وأخر اتصال من ابنه كان من أربعة أشهر........ يعانى الوحدة والملل... ومما زاد من وحدته عدم وجود أصدقاء سابقين له حيث كان بحكم عمله كضابط يقضى اغلب الوقت في كتيبته الحدودية ويعود إلى بيته في إجازات قصيرة لا تهيئ له أن يُكَون صداقات ,حتى أنه لا يعلم اسم جاره المقابل غير أنه يُكنى (أبو هاجر ) لا أصدقاء ....لا زوجة...لا أقارب....... ولكن مؤخراً حدث تحولاً في حياته بعد أن بلغ من الاكتئاب مبلغاً, فلقد ابتاع كمبيوتر وزوده بوصلة نت من (كافي نت) يقع خلف سكنه...... صار عالم النت صديقه الوحيد.. صديقه المؤنس لوحدته ...يقضى يومه متصفحاً للمنتديات مشاركاً يدلو بدلوه في أي موضوع لا يمر على منتدى إلا ويسجل نفسه.... ملأ النت عليه حياته حتى أقنع ابنه خلال اتصال هاتفي أن يشترى جهازاً ويتواصل معه, ولكن ليس بمثل حماسته على أي حال هو سعيد أنه استطاع أن يضع أبنه وحفيديه داخل جهازه وكأنهم أصبحوا معه!!.... غادره الملل تحسنت حالته الصحية بيد أنه استعان بنظارة طبية كوسيط بينه وبين صديقه الجديد .....اصطنع شخصيات من وحى خياله أصبح يشاكس بها الآخرين والأغرب أحياناً يشاكس بها نفسه تماما ًكمحرك عرائس الماريونت يحركهم يراقصهم ويراقصونه يغضب عليهم أحياناً ينقلبوا عليه أحايين يطلقهم على الآخرين كالكلاب المسعورة تنهش في لحم من لا يروق له اسمه أو شكله أو كتاباته, أتقن صنع شخصيات على الورق هي بعض منه.... بالرغم من أن كل محاولاته أن يصبح أديباً باءت بالفشل، ولكن من يملك هذا الخيال الخصب إن الشخصيات التي ابتكرها من نسج خياله شخصية واحدة منها قادرة على بناء رواية متناسقة المتون .....إنه يشعر بحميمية نحوهم ,ولكنه في الفترة الأخيرة كثر أعداؤه بسببهم...... فقرر أن يستبدلهم.... أن يطردهم من حياته الافتراضية من عالمه الخاص, لكنه لم يستطع كالذي حَضَر العفريت ولم يستطع صرفه .....ما يلبث أن يغفو قليلاً أمام حاسوبه ويصحو ليجد في الإيميل خاصته العديد من الرسائل تحمل أسماء شخصياته..... الأشرار يستخدمون سلاحه ضده,يحاربونه بشخصياته ....الغريب أنهم يعرفون عنه الكثير, حتى أن احدهم اخبره وهو يحاوره عن طريق الشات بما يرتدى بل بما أكل على الغذاء.
أمست الشخصيات حاضرة في نومه وفى يقظته حاصرته أثناء نومه حتى كاد أن يختنق أصيب بحالة من الهلع الشديد يستيقظ مذهولا متعرقاً يرتجف يكاد ينخلع قلبه يرفع حاسوبه عاليا يلقيه أرضاً يهوى عليه ضرباً باليمين يرى شخصياته تتطاير من بين شظايا الجهاز المتكسرة يتنفس الصعداء أخيراً سوف تعود إليه نفسه ارتدى ملابسه على عجل فلقد بقت خطوة واحدة إلغاء الاشتراك حتى لا يدفع دون استخدام ...... من فترة لم تطأ قدماه هذا الشارع الخلفي فلقد كان يأتيه محصل خدمة الانترنت حتى باب المنزل يتذكر أنه لم يره منذ شهرين ربما نسوه ها هو الكافى نت ,يبدو أكثر إضاءة من بعيد اتجه ناحيته بخطوات مسرعة تفاجأ أن أمام المحل رصت أطقم حمامات بألوانها وعلى الأرفف أدوات صحية!! كيف ؟! هل اخطأ الشارع ؟ مستحيل !! توجه بتردد إلى الرجل الجالس داخل المحل خلف ( الريون ) بادره دون أن يلقى عليه التحية
-ألم يكن فى هذا الشارع يوجد كافى نت الأهرام
أجابه الرجل بهدوء 
- نعم لقد كان مقره هنا لكنه أغلق منذ شهرين وتحول كم ترى !!!

ليست هناك تعليقات: