الثلاثاء، 21 يناير 2014

قراءة فى نص"رغوة فى البال" للكاتب فراس حج محمد

رغوة عظيمة فى المختبر
قراءة فى نص"رغوة فى البال" للكاتب فراس حج محمد
النص
كنّا ثلاثة شخوص؛ أنا وظلي والوقت، تصارعنا على إنجاز العمر بأقلّ التكاليف، فانتبه الظلّ لمكيدة محققة، فغادرنا، ليحفر سخريته بعيدا عن شبحي المسجى على ناصية الوقت!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القراءة
"
الظل لص يسرق السعادة ومن يعيش بظله يمشي إلى الصليب في نهاية الطريق" صلاح عبد الصبور

هذا النص مرهق !!ولكن رغم ذلك يغريك بقراءته عدة مرات ، يدعوك للتأمل والانزواء بعيدا أنت وهو وكثيرا من الشجن ، الظل بمعناه الشامل هو ظلمة الفجر ما قبل اشراقة أول شعاع شمس ، أما المعنى العام هو خيال الشخص فى اتجاه سقوط شعاع الشمس ..ثلاثة أشخاص فى النص شخصية حاضرة ، واثنتان مستحضرتان من رحم الشخصية الحاضرة ، هو "ثالوث" مستنبت من أصل واحد، الوقت و"أنا" والظل ، هناك علاقة وثيقة وتاريخية بين الظل والوقت فقديما كان يستخدم الظل فى حساب الوقت، وانسحاب الظل يعنى انسحاب الوقت... إذن الاثنان واحد، والظل والشخص مترابطان، ينسحب الشخص ينسحب معه الظل ، والظل مثل الصديق، ولكنه صديق غير وفيّ.. فكما قال الشاعر "كنت كظلي تتبعني تمشى معي فى النور وفى الظلام تدعني" ، النص هو حالة من الصراع الديناميكي يبدأ من العنوان (رغوة في البال) فالرغوة لاتنتج إلا عن حالة من الحراك المستمر فتتوالد تلك الرغوة فينتج عنها هذا النص "الميتافيزيقي" البديع ، النص بدأ بفعل ماض"كنا" ليمهد لحالة التغير التي ستطرأ على الشخصيات الأربع ، نعم لم أخطئ فى كتابتها أربع شخصيات ...لله درك يا فراس ما هذا النص العجيب!!! ما علينا...نعم أربع شخصيات بعد أن كانوا ثلاثة ، أنا + ظلى + وقتي + شبحي المسجي ..
النص حالة من افتقاد الذات افتقاد الهوية ، لكل إنسان طموحات وأحلام يرغب فى تحقيقها بأقل الخسائر، ولكن تتكسر أحلامه على صخور الواقع ،وتذبح على مقصلة الوقت، فالأحلام تشيخ وتمرض وتموت أيضا ، صراع أبدي تاريخي ممتد وسيستمر، ولكنه يتماتن ويتطور أيضا كالفيروس ، يقول الفيلسوف غيرغن (عندما نحدد حقيقة ما فى أنفسنا ، تتداعى من دواخلنا أصوات متعددة مشككة وربما ساخرة أيضا)...ناصية الوقت هي بمثابة هامش الحياة التي ارتضت الشخصية المحورية قهرا أن تنزاح إليها ، النص أبهرني من حيث لغته المتسقة المتناسقة مع الفكرة العامة من أول كلمة فى العنوان حتى القفلة التى تحمل دهشة مزدوجة هادئة لا تخمد فى لحظتها ولكنها تشتعل مع الوقت فمثل هذا النص كلما غذيته بالتأمل والتفكير اشتعل فى رأسك ، ولن نقابل مثل هذا النص "الجوهرة" كثيرا، فهو لوحة لفنان عالمي كلما مر عليها الزمن زادت قيمتها ، حالة خاصة جدا انتابت الكاتب فأخرجت هذه التحفة السردية العميقة المعنى ، فلن تستطيع الاستمتاع به دون أن تستحضر ثقافات عدة وآلام ومضنيات يحياها المثقف العربي ، لو بقيت لي كلمة أقولها وبدني مقشعر من روعة هذا النص الذي لم ارتو منه بعد _سأقول أبدعت يا فراس ثم أبدعت ثم أبدعت

ليست هناك تعليقات: